التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طفلةٌ لا تكَبر





من كَان يتصوّر بيومٍ من الأيام أن تعيشَ بيننا هرّة !
حتّى أنا نفسي مَازلتُ أتعجب من كوني اعتبرها صديقة وجزء لا يتجزأ من هذا المَنزل

لم أتحدث سابقاً عن كيفَ رقّ قلبيّ لأقبلَ بفكرة وجود قطة، و المُثير أن من يراني الآن يتعجبُ من كوني كنتُ لا أحبُّ فكرة تربية الحيوانات في البيت  إن لم يصدّق !
لم يحدث الكثير سوى أنني رفضتُ وجود ( يايا) الهرّة التي أحضرها أخي بعدَ أن وجدها تائهة في جنب الشّارع المُطّل على الشّركة التي يعملُ فيها.. ضحك وجهيّ لها جداً وأحببتُ فرحتَ أخوتي بوجودها رغم أنني لم أتقبل أن تبقى
المهم بالموضوع أصَبحَ بقائها أمراً لا مَفرّ منه.. احتمت بنا و أصبحت تخرج صوتَ الرّاحة ( القرقرة) الذي لا يدل إلاّ على سعادتها
عرضوها على بيطريّ و أعطانا العِلاج المناسب لها لما أصَابها من فطريات شديدة بسبب ضياعها في الطّرقات لعدّة أيام ربما!
لم يمضي على وجودها سوى أسبوع امتدّ ل عشرة أيّام ربما ازداد صوت ( القرقرة) و ازداد اندهاشنا له
في هذا اليوم بالذّات انتابنا القلقُ عليها و سألنا صديقة لنا إنّ كان هذا الصّوت حقيقيّ وطبيعي و طمأنتنا جداً !
الغريب بالأمر أنني مازالتُ لا أقربُ منها مجرد تعامل سطحي من بعيدٍ لبعيد لكن في هذا اليوم الجميعُ لاحظ أنّ شهيّة ( يايا) مسدودة حتّى عن المَاء !
أخبرتهم أنّ لابُد أنّ تأكل و تشرب على الأقل ليستمرَ علاجها .. لكنهم لم يفلحوا.. لجؤا لي فاضطررتُ للاقتراب منها
كانت السّاعة تُشارفُ على الرّابعة فجراً حَاولتُ قدرَ ما استطيع أنّ أشربها ماء لأنني رأيتها ظمآنة جداً و نجحتُ في ذلك
بضعُ قطرات بلّت ريقها و أصبحت تطلبه منّي أكثر فسقيتها دونَ زيادة .. ومازالت بينَ ذراعيّ عينها بعينيّ حتّى رأيتُ نظراتها تلّوح على شيء لم أره تفاجأت!
جعلتني أتطلعُ حوليّ ولمَ أرى ما تراه حتّى رأيتُ عينيها رُجعتا للوراء

حاولتُ جذبَ انتباهها ولم استطع !
حاولتُ سقايتها ولم تفتح فمها !

لم يكن مضى سوى بضعُ شهور على مُوت أخي لذلك عرفت ما أصَبها.. جمدتُ في مكاني، لم أتحرك ساكناً و أبكي كما لم أفعل يومَ أخي!
أتو أخواتي و أقاموها من حجري ومازلتُ أرجف ومن هول دمعيّ لم أفرق بين زجاجة الزّيت و صابون الصّحون..
لأنني قمتُ أغسلُ ما تركتهُ وراءها من وعاء الطّعام و المَاء علّني أهدأ نفسي..!

كانت هذه القطّة مِفتاح للسعادة بعدَ الحزن الذي خيّم المنزل من فقد أخي
كانت انشغالاً لأبيّ الذي أصبحَ عاطلاً عن العمل
كانت بابَ الفرح لأخي الصّغير الذي ربما تعبت نفسيّته بعد الفترة التّي انشغل فيها الجميعُ عنه..
و كَانت أيضاً مِفتاح لقطّةٍ أخرى حتّى لا تُغلقَ هذه الأبواب جميعا..

صباح هذا اليوم..
بعدَ نقاشٍ مطّول في إيجاد طريقة لتربيّة قطة جديدة دونَ إعلام أهلي بتفاصيل هذه الأمور لأنهم حتماً لم يكونوا ليسمحوا بوجود بديل
فلطالما حاولوا منع وجودها ووجود الحيوانات عموماً..

دبرنا جميع الأمور..
مجموعة أرقام وأسماء محلات الحيوانات الأليفة و أماكنها
مبلغ الشّراء .. الذّي كان أصعب شيء ولو أختي الموظفة لم تكن من عاشقي القطط لصعبَ الأمرُ أكثر و امتدَ إلى العجز ربما !
القصّة أو السّبب الذي بإمكانه إقناع أهلي بوجودها
الجثّة التي دفنتها أختي !
ذهبتُ أنا و أختي إسراء وحدنا حتّى يُشك بأمرنا و أنّ القّطة ( يايا) مع البقيّة في الغرفة
مررنا محل، محل من أبعدهم لأقربهم  بقي في قائمة المحلّات محلٌ أخير و إلى الآن لم نجد هرّة - على هوانا- لا شكلاً ولا عمراً
دخلنا المحل الأخير على أمل، اطمأننا لوجود العديد من الهرره بالمحل و جلسنا نسأل عن جنس من يُعجبنا و عمره كدنا نستسلم و نأخذ الذّكر الذي هو أقرب شيء على القلب لولا جنسه.. فجأة تلمح أختي شبيهاً له  داخل بيتهم الصّغير الذي لم تُخرج منه سوى يدها لتضرب أخاها هذا الذي كنا نريده استسلاماً ..
طلبنا منه أن يحضر لنا هذه و كانت هي !


كأنّ كيمياء غريبة جمعتنا..
 حتّى هي لم تحاول الهرب أبداً؛ كيف تحاول و كل الهرره تتمنى من كل من ينظر لها أن يأخذوهم
أخذنها بسلّة الهرره مع طعامها و خرجنا مرتاحين
عمرها لم يكن يتجاوز الشهر و النّصف حجمها أصغر من كف اليد
و مشاغبة جداً!

رجعنا بصحبتها المنزل

أخي الصّغير من تعلّقه بالقديمة ظنّ أن هذه نفسها ( يايا) البيضاء تحوّلت إلى رماديّة لأنها كبرت قليلاً
( ساشا) غرقت في تفاصيل المنزل تنط من ركنٍ لآخر تشمّ الأشياء جميعها و تجلسُ في حضن من كان جالساً و لم تنام أول ليلة إلا جانبي
و كأنها تداوي شيئاً ظننتُ أنني نجحتُ في إخفاءه !
رغم أنني بقيتُ تحت تأثير ما حصل معي مالا يقل عن عشرة أيّام..
و أتسائل عن اختطاف روحها وهي بينَ يدي!

حمدتُ ربيّ على ما ضممته لي هذه ( ساشا) الصّغيرة..
و أصبحتُ أسارع لأمر عليها كل صباح حتّى أحببتُ وجدها أكثر و أكثر
وجودها الذي أظهرَ جانباً رقيقاً..
وجودها الذي أظهرَ كبتاً عميقاً..
وجودها أصبحَ جميلاً على الجميع 
حتّى على أميّ التي لم تكن تحب وجود الكائنات الحيّة سوى النّبات لدرجة أنها أيام يكونُ الجو أبرد من المعتاد تأتي بغطاء لتغطيها!


مضى على وجودها سنتين.. و عمرها الآن سنتين و ثلاثة أشهر!
( ساشا) تعلمنا أشياء لا يعلمنا إيّاها أحد..
( ساشا) التي لو كتبتَ يومياتها لأصدرت بها موسوعة عن كل شهر أو أقل..


أخيراً، لا تحكم على تقبلك و عدم تقبل إلا بعدَ أن تجرب و أنتَ مقتنع بالتجريب
و سترى كم سترق من قلبك شيئاً لا تعلمه.. 

ملاحظة: عن أي تجربة بشكلٍ عام أو أي حيوان بشكلٍ خاص


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الانتزاع الأخير

الانتزاع الأخير لم تكن المرة الأولى التي تنتشي بها عابرًا جسدي  مهمشٍ كل الالتفات  حاملًا سكينًا وبندقية نهاياتٍ لم تكن لم تكن المرة الأولى التي تدير ظهرك طاعنًا سلاحك في كتفي تمامًا على شفا رقبتي الخلفية ..  انتزعتها لي وأنا ضمدتُ جراحي وعاودنا الكرة! لم تكن المرة الأولى  حين صرخت كل الوجود  عدا وجهي  بقي ملطخًا  لم تكن المرة الأولى  حين سرقت سريرة النفس  لم تكن!  لكنني   حتمًا  جعلتها  الأخيرة تلك الانتزاعات التي تخللت  كل الانتشائات ما كانت لتستمر كل ما استمر كان قاتلاً،  كان سمًا أبديًا كانت  العيون تشير عليك  تلقي الأسئلة  وأنا وحدي أشبه الكمال كتمام الشهر واكتمال الأيام القمر بدرًا الخبايا تظهر  وكوكيبة الألوان تحوم نحن نطفو على سطح السماء نحلق أو نطوف  لا أشرعة هنا  نحن الريح نحن الوجهة   التي تمضي وحيدة نحن الذين نكتمل في طرقٍ مختلفة نحن الذين لا اكتمال لنا إلا ذواتنا  حملتها .. حملتني وركضتُ نحو المفر كان ضيقًا ممتلئ بالشقوق واصلت المضيّ  لا ضوء هنا كما يزعمون لكني صرتُ أرى ظلي رأيتُ المرآة شربتُ الماء  أخيرًا .. هذه المرة  كانت المرة الأولى.. ـــــــ على ضفاف العبور، هدى داو

أبيع وجهي..

  حينَ التفتَ إليّ الحنين، وقرعتُ نخبَ الحيَاة بصحة الزهور المورقة جفت المياه، وفرغ الكأس الزهري..  لم تعد الزهور زهورًا  تهاوت كل البتلات التي حاولت البقاء.. ــــ فراغ ــــــ  اللحظة الآن كالسنين العجاف وأنا تسمرتُ مكاني بجفاف وجهي.. شاخصةً..  يعبرُ الوقت ويضحك الزمان ملوحًا لعيونٍ لاترمشُ أبدًأ  يبست كان الكأس زمهريرًا والحنين وهمًا التف راقصًا كحلم يطرق نخب الموت  توقف كل شيء الزمن توقف وأنا توقفت .. تمامًا هكذا…  حتى أصبحت دون وجه بعته في حلم ما .. في غمرة ما ! بعته لمن لا يشتري .. حتى تعريت وبقيت بلا وجه.. بلا ملامح تذكر انسلخت  انسلخت عني..  وكانت الروح هي التي تتهاوى تماهيًا مع اللاشيء…  كدخانٌ تشتت في الهواء… ـ الأبيض يمر من هنا.. لا سواد ولا رماد بياض ناصعٌ كضوء… ـ حين لم أكن أنا: هدى داود  في زمنٍ غابر * اللوحة زيت على قماش كأنك لم تكن

دونَ أمل

، شهرين؟  وهل يجدِ عدّ الإيام و الجِفاء مسبحةٌ ؟! أراكَ في صُبحيّ المُعتمُ تلوّح خَفقاً  و الدّمع بيننا جسرُ لقاء مُترهل  ... كيف أكمل ؟